ذكر الوقت في القرآن الكريم و السنة




قيمةُ الوقتِ فيِ الإسلامِ





ما أعظم نعمة أنعم الله عز وجل علينا بها بعد دينه الإسلام ؟!

هل المال ؟ أم الأولاد ؟ أم الجاه والسلطان ؟ أم الجمال ؟ أم العلم ؟ أم الصحة ؟

أخي !! كل ما سبق نِعمٌ عظيمةٌ لا يقدرُ على شكرها الشاكرون ، وهناك الكثير من نعم الله عز وجل

التي لا تعد ولا تحصى ، ولكن ليس كل ما سبق أعظم ما يملك الإنسان .

إن أعظم نِعَمِ الله على عباده بعد الإسلام هي نعمة الوقت والزمن ؛ فالوقت هو محل العبادة ، كما أن

هناك عِبادات كثيرة مخصوصة بأوقات محددة .

إنّ الوقت إذا ما أُحسن استغلاله ، فإنه يرفع صاحبه إلى أعلى الدرجات ويصل به إلى أعالي الجنان.
حَقّاً إنّهُ أَعظَمُ النِّعَمِ ..... ولكن أكثر الناسِ لا يعلمون .

حَقّاً إنّهُ أَعظَمُ النِّعَمِ .....ولكن أكثر الناس لا يشكرون.

حَقّاً إنّهُ أَعظَمُ النِّعَمِ .....ولكن أكثر الناسِ مُضيعون مقصرون .

حَقّاً إنّهُ أَعظَمُ النِّعَمِ .....ولكن العجيب في الأمر أن الكثير مِنّا - إن يكن كلنا - لا يشعر بهذه النعمة

ولا يتصور انها نعمة من النعم . إن أمةٌ لا تشعر بأن الوقت أغلى وأعظم ما تملك لا تكون أمةً عظيمةً أبداً .

ولكن إنتبه !!
أكثر ما قسم الله - جلّ وعلا - به في كتابهِ العزيز هُوَ الوقت وما له علاقةٌ بالوقت ، والله لا يقسم بشيء

إلا لأنه عظيم وذو قيمةٍ عنده سبحانه وتعالى -

فإنه أقسم بمختلف أطوار الوقت فقال - تعالى -: (( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى)) سورة الليل 2.1

(( وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى)) سورة الضحى 2.1 (( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا )) سورة الشمس 1

(( وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ )) سورة العصر 2.1 (( فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ))

سورة الإنشقاق 16 .17

وإنتبه أيضاً فإن شعائر الإسلام مرتبطة أيضاً بالوقت ؛ فالوقت هو محل العبادة .

فمثلاً الصلاة .....

يقول تعالى -: (( َإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً)) سورة النساء 103

الزكــــــــاة ......

يقول تعالى -: (( وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)) سورة الانعام 141

الصــــــوم .......

يقول تعالي -: (( أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ )) البقرة 184

إن المتأمل المتدبر لقولة (( أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ )) ليشعر أن الله يوصينا باغتنام هذه الاوقات المباركات ؛

فإنها قلائل لا تأتي في العام إلا مرة واحدة .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي عليه الصلاة والسلام : ((صوموا لرؤيته ، وافطروا لرؤيته
فإن غُبيَ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين )) متفق عليه ، واللفظ للبخاري
أي صوموا لرؤية الهلال ، وافطروا لرؤية الهلال ؛ فهو رمز الوقت و الزمن .
الحــــج .....

يقول سبحانه وتعالى -: ((الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ )) البقرة 197

أخي رأيت كيف أن شعائر الإسلام كلها ذات إرتباط بالوقت ؛ لتلفت نظر الأمة بأهمية الوقت .

أخي !! إن الساعة من أكثر الإبتكارات التي أهتمت الأمة الإسلامية بالإستفادة منها وقت ازدهار حضارتها ؛

لأنهم كانو يدركون قيمة الوقت إدراكاً منقطع النظير
كثير من الخلق يجهلون قيمة الوقت الذي منحهم الله اياه، ولا يدركون أنه ثروتهم المعنوية الوحيدة ورصيدهم الروحي الكبير، فيصرفونه دون حساب في انواع المعاصي وصنوف اللهو، ويضيعونه في القيل والقال وكثرة الجدال والثرثرة واللغو، متناسين أنهم مسؤولون عن كل ذلك يوم الحساب، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن تزول قدما عبد حتى يسأل عن اربع..< وذكر منها (عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه) رواه الترمذي.
لقد جعل الله تعالى حياتنا في هذه الدنيا عبارة عن جملة محدودة من الدقائق والثواني، وحضنا على الانتفاع بكل جزء من اجزائها بمزيد من الاخلاص، وحذرنا من كل ما يعوق سيرنا او يؤدي بنا الى التثاقل، ونبهنا الى انه سيحاسب كل من جنى على نفسه بجناية تضييع الوقت، وسيعرضه يوم القيامة لعقاب الخزي والندامة مصداقا لقوله تعالى: >قال كم لبثتم في الارض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما او بعض يوم، فاسأل العادين، قال إن لبثتم الا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون، أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم الينا لاترجعون< سورة المؤمنون الآيات (112-115).
عندما وهبنا الله تعالى الحياة لم يجعلها هملا دون غاية >أيحسب الانسان أن يترك سدى< سورة القيامة آية (36) ولم يجعل الحياة مستمرة الى ما لانهاية، بل جعل لها بداية ونهاية، ووضع بين ايدينا منهاجا كاملا وطريقة مثلى لنجعل من حياتنا المحدودة وايامنا المعدودة رصيدا ثمينا نصرف كل جزء من أجزائه في العلم النافع والعمل الصالح، حتى اذا انتهت حياتنا الدنيا وجدنا انفسنا قد فزنا في السباق بالميزان الراجح >يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا، وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا< سورة آل عمران آية (30).
إن الشهور والاعوام والليالي والايام كلها مواقيت الاعمال ومقادير الآجال، فهي تنقضي جميعا وتمضي سريعا، فالليل والنهار يتراكضان تراكض البريد، ويقربان كل بعيد، فالأيام تطوى والاعمار تفنى، والذي اوجدها وخصها بالفضائل هو باق لا يزول، هو إله واحد رقيب مشاهد يغدق على عباده صنوف العطايا ويسبغ عليهم فواضل النعم ويعاملهم بغاية الجود والكرم.
وقد أوجب الله على العبد في كل يوم من أيام حياته وظيفة من وظائف طاعته يتقرب بها اليه، فيه لطيفة من لطائف نفحاته يصيب بها من يشاء بفضله ورحمته، فالسعيد من اغتنم الليالي والساعات وتقرب الى الله بالطاعات، إن كل شهر يستهله الانسان فإنه يدنيه من اجله ويقربه من آخرته، >وخيركم من طال عمره وحسن عمله، وشركم من طال عمره، وساء عمله< رواه أحمد والترمذي، وإن الإنسان بين أن يثاب على الطاعة والاحسان او يعاقب على الاساءة والعصيان كما قال تعالى: >ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم، قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين< سورة يونس آية (45).
وللدلالة على أهمية الوقت وعظيم قيمته فقد أقسم الله تعالى به أو بأجزاء منه في كثير من الآيات القرآنية الكريمة مثل قوله تعالى: >والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا..< سورة العصر الآيات (1-3)، وقوله تعالى: >والفجر وليال عشر..< سورة الفجر الآيات (1-2)، وقوله: >والضحى والليل..< سورة الضحى الآيات (1-2)، وغيرها من الآيات القرآنية الكريمة.
وما هذا إلا لفت لانتباه المسلم الى أهمية الوقت وقيمته الحقيقية في الاسلام، فالمؤمن العاقل يقف مع امسه ويومه وغده، وقفة تأمل وتفكر كما يقف التاجر الواعي الحصيف على رأس كل عام ليراجع سجلاته وموجوداته وديونه ليدرك ماله وما عليه وليعرف خسائره من ارباحه، راجيا ربه أن يكون يومه خيرا من أمسه، وغده خيرا من يومه، وكان أولى بالانسان العاقل أن يحاسب نفسه في كل يوم وشهر وسنة انسلخت من عمره، حيث سيسأله الله تعالى عنها وهي ليست بالزمن القليل، فالسنة اثنا عشر شهرا والشهر ثلاثون يوما واليوم اربع وعشرون ساعة، والساعة ستون دقيقة والدقيقة ستون ثانية كل ثانية فيها نعمة من الله عليك يا عبد الله وأمانة لديك من الله تعالى.
كان أولى بالمسلم العاقل أن يأسى على نفسه بما انهدم من بنيان عمره وما طوي من كتاب حياته، فكل يوم يمضي، انما هو ورقة من شجرته قد ذوت وسقطت، ورحم الله الحسن البصري حين قال: >يا ابن ادم، إنما انت ايام مجموعة، كلما ذهب يوم ذهب بعضك<، فالمؤمن الحصيف هو الذي يربح عمره ويتزود فيه من صالح عمله، فيتزود من دنياه لآخرته، فانه لن يأسف على الدنيا عند ذهابه منها، ولن يجزع من الموت عند نزوله به، ولن يخاف ولن يحزن على إقباله على الآخرة لان اعماله تؤنسه، وفي الحديث: >وصنائع الاحسان تقي مصارع السوء< رواه الطبراني في الأوسط بسند حسن، ولهذا يقال له عند الاحتضار على سبيل اللطف به: >يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي الى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي، وادخلي جنتي< سورة الفجر الآيات (27-30).
إن المؤمن اذا لم ينتفع بوقته خير انتفاع، ولم يستعمل رصيده منه احسن استعمال، ولم يعط لكل وقت حقه ولكل حق وقته، ولم يكن كل يوم في تقدم مستمر بفضل مدخراته من الوقت، فانه في تأخر مطرد يهوي به الى الهاوية، فالانسان في هذه الحياة سائر لاواقف، فإما أن يصعد الى الاعلى وإما أن ينزل الى الحضيض إما أن يتجه الى الامام وإما ان يتجه الى الوراء، فمن لم يتقدم الى الجنة بالاعمال الصالحة فهو متأخر الى النار بالاعمال السيئة، إذ لا منزل للانسان في نهاية المطاف سواهما ولا طريق يؤدي الى غيرهما.
فالدنيا هي دار عمل والآخرة دار جزاء، وما خلق الله الانسان الا ليعمل ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين - أي الموت - وماخلقت الدنيا بما فيها من الخيرات والطيبات إلا كرامة للانسان ليستعين بها على طاعة ربه، فاستيقظوا عباد الله من الغفلات واستعملوا كل لحظة فيما يرضي الحق وينفع الخلق وتذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: >اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك وفراغك قبل شغلك< رواه الحاكم والبيهقي.
دقات قلب المرء قائلة له
إن الحياة دقائق وثوان
فاغتنموا فرصة حياتكم قبل أن تأتي أحدكم منيته فيندم على ماضيع من عمره ووقته: >حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون، لعلي أعمل صالحاً فيما تركت، كلا، إنها كلمة هو قائلها، ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون< سورة المؤمنون الآيات (99-100)، عندها يندم ويقول: >يالتني قدمت لحياتي< سورة الفجر آية (24).
فالمطلوب عمارة الوقت وقضاؤه على الوجه الذي ينتفع به الإنسان في الدنيا والآخرة، وينجز فيه أعماله، ومن هنا جاء طلب النبي صلى الله عليه وسلم باغتنامه، بل اعتبر من يهدر وقته بلا فائدة شخصاً مغبوناً حيث قال عليه الصلاة والسلام: >نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ< رواه البخاري ومسلم.
ومن هنا نجد العلماء من السلف الصالح رضي الله عنهم ألفوا كتباً في عمل اليوم والليلة من أجل أن يرجع اليها المسلم فيتعرف كيف يقضي وقته وساعات حياته فيما ينفعه ويرضى ربه سبحانه وتعالى.
إن سلفنا الصالح كانوا يغتنمون كل جزء من اوقاتهم بما يعود عليهم وعلى امتهم بالنفع والخير، من علم نافع او عمل صالح، واهتموا بأن يقدروا اوقاتهم في اليوم والليلة، ليدركوا مقدار نعمة الله عليهم بالوقت وليقدروا مسؤوليتهم امام الله عن إعمار الوقت بالعمل الصالح او تضييعه في المعاصي، أو فيما لانفع فيه، فكان شعارهم هو عمارة الوقت بدلا من هدره وقتله، وكان المعيار الذي يزنون به اعمالهم في كل وقت من الاوقات هو أن تكون تلك الاعمال على اختلاف انواعها واصنافها مما يقرب الى الله ويجلب رضاه، وفي طليعة ذلك القيام بفرائض الدين والاخذ من الدنيا بالنصيب الكافي الى حين، وعمارة الدنيا بما يريده الله تعالى.
ويندرج في هذا المعنى كل عمل مشروع تنتفع به الجماعة والافراد، ويتم عن طريقه اداء حقوق الله وحقوق العباد، بما في ذلك الزراعة والصناعة والتجارة وتنمية الثروات واستخراج ما في الارض من كنوز وخيرات، والمهارة في مختلف الحرف والمهن والصناعات، واعداد العدة ووسائل القوة لمواجهة التحديات، كما يندرج في ذلك البر بالوالدين وحسن العشرة مع الاهل والاولاد والاستمتاع بكل ما احل الله من الطيبات، فمتى تناولها المؤمن بنية الاستعانة بها على اداء ما يحبه الله وتجنب ما يسخط مولاه كانت من عمارة الوقت التي حض عليها الاسلام واجزل عليها الثواب.
 .





هناك 5 تعليقات: